Army Base (قاعدة عسكرية)
في سنة ٩٨ ، و في بداية أيام البرد … يغلب على ظني أننا كنا فى منتصف أكتوبر أو مطلع شهر نوفمبر .. كنت فى المرحلة الثانوية و كنت حديث العهد بأمريكا ( حوالي خمسة أو ستة أشهر) …
و بما أن الإنسان دائمًا يبحث عن أصدقاء يفهموه و يفهموا مشاكله .. و يكونوا شبيهين له فى الخلفية الثقافية و الإجتماعية … لذلك، كنا مجموعة من المصريين ( حوالي أربعة أو خمسة) كنا كلنا متشابهين فى الظروف لدرجة أننا جميعًا دخلنا أمريكا تقريبًا في نفس السنة …
و كنا نذهب للمدرسة سويًا و نجتمع سويًا وقت الفسحة و نعود لبيوتنا سويًا - و كلنا تقريبًا مازلنا أصدقاء مقربين حتى الآن- …
و في هذا اليوم إجتمعنا فى مكان ما و بدأنا التوجه للمدرسة كعادتنا كل صباح … و لكن أقترح أحدنا إننا نغير مسارنا و نذهب للتنزه في مكان ما ( نزوغ يعني بلغة زماننا) … طبعًا راقت لنا جميعًا الفكرة و قررنا التنفيذ … و كنا يومها ثلاثة …. عمرنا ما بين الرابعة عشر و الثمانية عشر سنة ….
بدأنا في التحرك و ما كدنا نبعد خمسة شوارع عن باب المدرسة حتى أقتربت منا سيارة شرطة ضخمة الحجم … أكبر من سيارات المشروع ( الميكروباص) بحوالي مرة و نصف … توقفت أمامنا السيارة و فتح الظابط النافذة و سألنا ( إلى أين متوجهين؟؟)… السؤال كان يبدو متطفلًا و غريبًا … و لكننا أجبناه ببراءة ( إننا عائدين إلى المنزل ) … ثم سألنا لماذا نحن فى الشارع و لسنا داخل المدرسة في هذا الوقت ؟؟ … طبعًا نحن لم نكن نملك أى إجابة على هذا السؤال … سألنا الظابط عن أعمارنا و عندما أجبته أنني فى الثامنة عشر .. طلب مني ما يثبت ذلك فأعطيته بطاقتي .. نظر فيها و تأكد من تاريخ الميلاد ثم أعادها إلي قائلًا ( إقضي يومًا سعيدًا يا سيدي ) … و عندما سأل الباقيين عن أعمارهم أجابه أحدهم أنه أربعة عشر سنة و قال الأخر أنه فى السادسة عشر … فطلب منهم الظابط ركوب السيارة بأدب .. سأله الصديق الكبير إلى أين؟ … أجابه الظابط أنه سيتم نقلهم لأقرب قاعدة عسكرية … نظر له صديقي في رعب ممزوج بالذهول و الصدمة و قال (( القاعدة العسكرية؟؟ …. اللعنة!! … لماذا؟؟))
رد عليه الظابط ( لأنك لست فى مدرستك و هذا ضد القانون ) … أما الصديق الأصغر فكان عنده قلق من نوع آخر فسأل الظابط ( هل هذه القاعدة العسكرية ستتصل بأهلي ؟؟)
أجابه الظابط ( نعم … يجب على أحد من أهلك أن يستلمك من القاعدة العسكرية) ..
هنا تدخلت فى الموضوع و قد بدأت أدرك حجم الورطة و أن المشكلة ليست صغيرة .. فسألت الظابط ( ماذا عني أنا ؟) ..
أجابني ( يمكنك المضي في يومك … القانون الأمريكي يعطيك حرية الأختيار عند بلوغ سن الثامنه عشر … لا يمكننا إجبارك على الذهاب إلى المدرسة إن كنت لا تريد ذلك … و كذلك ليس من حقنا إبلاغ أهلك بشؤونك الشخصية) ….
يومها ركب أصدقائي " البوكس الأمريكاني " لأول مرة … أما أنا فلم أكن أفضل حالًا منهم .. لأن الوقت كان متأخر عن الذهاب للمدرسة و مبكر عن العودة للبيت .. فأضطررت للتسكع فى الشارع لمدة ست ساعات وحدي بلا هدف … أظن أني تمنيت وقتها لو أخذني الظابط معهم .. لكن للأسف ليس هكذا تدار الامور … و يومها تعلمت أول دروس الغربة و هو .
١- مش كل البلاد سايبة زى بلدنا
٢- لما تروح بلد جديدة … أفهم قانونها كويس قبل أى قرارات هوجاء.
٣- ماتاخدش ثقافتك المصرية معاك بلاد برة من غير فلترة .
و إلى لقاء أخر مع درس جديد من دروس الحياة .
كتبه
أحمد عبد الرحيم
تعليقات
إرسال تعليق