صديق أخطر من العدو

 

كان عندي صديق معروف بطبيعته المتهورة ... و لا أقصد هنا التهور المحمود الذي يكون نتيجة لطموح الإنسان و يجعله أكثر جرأة في المخاطرات المالية للإستثمار في مشروع هو مؤمن به أو في دراسة تخصص لا يفهم الناس ما هو مستقبله تحديداً ... و لكن أقصد التهور المذموم الذي يصل إلى حد الحماقة .. الذي يجعله يأخذ قرارات بدون الحد الأدني من العلم بعواقبها ،،، مثل أن يأخذ قرض مالي ضخم جداً لقضاء إجازة الصيف بدون دراسة أو علم بكيفية سداد هذا المبلغ أو تأثيره عليه في المستقبل القريب أو البعيد ... و لا أدري هل هذه مشكلة في الثقافة العامة أو في الشخصية أو أخطاء تربوية تجعل الإنسان لا يملك الإتزان النفسي الذي يجعله ينظر إلى جميع أبعاد أي قرار قبل إن يتخذه ... 

في يوم من أيام الصيف تلقيت منه إتصال هاتفي و ابلغني أنه سيمر علي بعد نصف ساعة لقضاء بعض الوقت في الخارج ... نزلت لأجده ينتظرني داخل سيارة و هو جالس على كرسي القيادة ... و أنا أعرف أنه لا يملك سيارة ...  سألته في تحفظ عن صاحب هذه السيارة .. لأني أعرف يقيناً أنه لا يوجد أحد في كامل قواه العقلية سيقوم بإقراض سيارته لهذا المستهتر ... أجابني أن هذه سيارة زوجة خاله ... بدأنا التحرك بلا هدف محدد ،،،


 اقترحت أن نجلس على أحد المقاهي لأني الحقيقة كان عندي الكثير من التحفظ على قيادته و قراراته على الطريق .. لأنه كان على قناعة تامة أنه طالما معه حق الطريق فالضغط على الفرامل هو نوع من الإهانة و قلة القيمة .. فكان يقود السيارة و هو متجاهل تماماً لأي معادلات منطقية .. لدرجة أنه من الممكن أن يصطدم بسيارة أخرى قبل إن يفكر في الضغط على الفرامل لمجرد أن السائق الأخر تعدي على حقه في الطريق ... لم يروق له إقتراحي بالجلوس في مكان ما لأنه كان يفضل التنزه بالسيارة طبعاً ...

و بعد حوالي ساعة و في أحد الشوارع المزدحمة ( كما توقعت ) اصطدم بالسيارة التي أمامه ... نزلت أمرأة من السيارة و بدأت في الصراخ .. و أسمعته ما شاء الله لها أن تسمعه من كلام عن عدم تركيزه و غبائه و طيشه .. لم يتوقف صديقي عن الإعتذار بشكل مبالغ فيه جداً و طلب من المرأة في رعب أن تقف على جانب الطريق للتفاوض حتى لا يتعطل المرور .. لكن المرأة لم تتوقف عن الكلام و ذكرت شيئاً عن أن هذا التعطل المروري لا يعنيها في شيء ... و لم أكن أفهم سر كل هذا الذعر من ناحيته .. فهو حادث مروري مثل أي حادث أخر و التعامل معه هنا في أمريكا له اجراءات معروفة .. و هو يملك خبرة طويلة و كبيرة في مجال الحوادث إستطاع أن يحصل عليه في أقل من عام واحد فقط ... وافقت المرأة أخيراً على الوقوف في جانب الطريق بعد أن تعالت أصوات الآت التنبيه بسبب الإنسداد المروري ...

ضغط صديقي على البنزين و إنطلق هرباً من مكان الحادث ( و هذه مشكلة كبيرة جداً في أمريكا )  ... و كانت حجته عندما سألته أنه لا يريد المزيد من المشاكل مع شركة التأمين ... نصحته بأن يعيد السيارة إلى صاحبتها و ينهي هذا اليوم الصاخب بأقل خسائر .. 


أخذ بنصيحتي و إتجه نحو منزله .. لأجد زوجة خاله تقف أمام المنزل بملابس البيت و في يديها الهاتف و كانت تبحث عن سيارتها و هي على وشك إبلاغ الشرطة ... و هنا إتضح لي الأمر .. لقد سرق مفاتيح سيارتها دون أن تعرف بالطبع ... و ظهرت أنا طبعاً في مظهر صاحب السوء أمام المرأة المسكينة التي انهالت عليه بالسباب و اللعن وسط ذهول كل من في الشارع و وسط ذهولي أنا شخصياً .. أما صديقي فقد توقف عن الكلام تماماً و اكتفي بالنظر إليها في بلاهة  ... 

تعلمت في هذا اليوم درس هام جداً من دروس الحياة .. و هو أن الصديق الغبي أخطر من العدو ... 

تعليقات

  1. غباء. وتهور. وعدم ادراك نهايات الامور
    اعتقد انه سوف يكرر الفعل. بطريقه اخري

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طنط سوسن و عمو حسن

البدلة

الجاذبية و خفة الظل